سورة السجدة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)}
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ} أي يقضى {بَيْنَهُمْ} قيل: بين الأنبياء عليهم السلام وأممهم، وقيل: بين المؤمنين والمشركين {يَوْمُ القيامة} فيميز سبحانه بين المحق والمبطل {فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمور الدين.


{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)}
{أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ} الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام ويناسب المعطوف معنى على ما اختاره غير واحد، وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول، وإما عنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ضمير عائد إلى ما في الذهن ويفسره قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مّنَ القرون} وكم في محل نصب باهلكنا أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم أو طريق الحق كثرة من أهلكنا أو كثرة اهلاك من أهلكنا من القرون الماضية مثل عاد. وثمود. وقوم لوط، ولا يجوز أن تكون {كَمْ} فاعلا لصدارتها كما نص على ذلك الزجاج حاكيًا له عن البصريين، وقال الفراء: كم في موضع رفع بيهد كأنك قلت: أو لم يهد لهم القرون الهالكة فيتعظوا ولا أن يكون محذوفًا لأن الفاعل لا يحذف إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها ولا مضمرًا عائدًا إلى ما بعد لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظًا ورتبة في غير محل جوازه، ولا الجملة نفسها لأنها لا تقع فاعلًا على الصحيح إلا إذا قصد لفظها نحو تعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال، وجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى شأنه لسبق ذكره سبحانه في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ} إلخ وأيد بقراءة زيد {عَرَّفَهَا لَهُمْ} بنون العظمة، قال الخفاجي: والفعل بكم عن المفعول وهو مضمون الجملة لتضمنه معنى العلم فلا تغفل.
{يَمْشُونَ فِى مساكنهم} أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم، والجملة حال من ضمير {لَهُمْ}، وقيل: من {القرون}، والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم، وقيل: مستأنفة بيان لوجه هدايتهم.
وقرأ ابن السميقع {يَمْشُونَ} بالتشديد على أنه تفعيل من المشي للتكثير {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيما ذكر من اهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم {لاَيَاتٍ} عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها {لاَ يَسْمَعُونَ} هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ.


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)}
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} الكلام فيه كالكلام في {أَوَ لَمْ يَهْدِ} [السجدة: 26] أي أعموا ولم يشاهدوا {أَنَّا نَسُوقُ الماء} بسوق السحاب الحامل له، وقيل: نسوق نفس الماء بالسيول، وقيل: بإجرائه في الأنهار ومن العيون {إِلَى الارض الجرز} أي التي جرز نباتها أي قطع اما لعدم الماء واما لأنه رعى وأزيل كما في الكشاف.
وفي مجمع البيان الأرض الجرز اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطاء عنها من قولهم: سيف جراز أي طاع لا يبقى شيئًا إلا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقى شيئًا إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول، قال الراجز:
خب جروز وإذا جاع بكى ***
وقال الراغب: الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها، وفي مثل لا ترضى شانئة إلا بحروزة أي بالاستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف اه، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام.
وأخرج هو وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنها أرض باليمن، وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد، أخرج عنه جماعة أنه قال: الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقرئ {الجرز} بسكون الراء، وضمير {بِهِ} للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة: المراد فنخرج عنده، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المرزوع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقًا فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه: {تَأْكُلُ مِنْهُ} أي من ذلك الزرع {أنعامهم} كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها {وَأَنفُسِهِمْ} كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان، وفي البحر يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفًا له ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، ويجوز أن يراد به النبات مطلقًا، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله، وقيل ليرتقي من الأدنى إلى الأشرف وهو بنو آدم.
وقرأ أبو حيوة. وأبو بكر في رواية {يَأْكُلُ} بالياء التحتية {أَفَلاَ يُبْصِرُونَ} أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عز وجل، وجعلت الفاصلة هنا {يُبْصِرُونَ} لأن ما قبله مرئى وفيما قبله {يَسْمَعُونَ} لأن ما قبله مسموع، وقيل: ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر.
وقرأ ابن مسعود {تُبْصِرُونَ} بالتاء الفوقية.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10